كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله بن أبي سعيد قال: حدثنا حازم بن عقال ابن حبيب بن المنذر بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: حدثني جامع بن حيران ابن جميع بن عثمان بن سماك بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: لما حضرت الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة، اجتمع إليه قومه من غسان فقال: إنه حضر من أمر الله ما ترى، وقد كنا نأمرك في شبابك أن تتزوج فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين، وليس لك ولد غير مالك، فقال: لن يهلك هالك، ترك مثل مالك، إن الّذي يخرج النار من الورسة، قادر على أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا، وكل إلى موت، ثم أقبل على مالك وقال: أي بني، المنيّة ولا الدنيّة، العقاب ولا العتاب، التجلد ولا التلدد، القبر خير من الفقر، ومن قلّ ذلّ، ومن كرم الكريم الدفع عن الحريم، الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهما سينحسر، إنه ليس ينفلت منها ملك متوج، ولا لئيم معلج، سلّم ليومك، حياك ربك، ثم أنشأ يقول:
شهدت السبايا يوم آل محرّق ** وأدرك عمري صيحة الله في الحجر

فلم أر ذا ملك من الناس واحدا ** ولا سوقه إلا إلى الموت والقبر

فعلّ الّذي أردى ثمودا وجرهما ** سيعقب لي نسلا على آخر الدهر

يقربهم من آل عمرو بن عامر عيون ** لدى الداعي إلى طلب الوتر

فإن تكن الأيام أبلين جدّتي ** وشيّبن رأسي والمشيب مع العمر

فإن لنا فاعلا فوق عرشه ** عليما بما نأتي من الخير والشرّ

ألم يأت قومي أن للَّه دعوة ** يفوز بها أهل السعادة والبشر

إذا بعث المبعوث من آل غالب ** بمكة فيما بين زمزم والحجر

هنالك فابغوا نصرة ببلادكم ** بني عامر إن السعادة في النّصر

ثم قضى من ساعته.
وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: والله إني لغلام يفعه ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذا سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! فلما اجتمعوا إليه وقالوا له: ويلك، مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الّذي ولد به. وفي رواية: طلع الليلة نجم أحمد نبي هذه الأمة الّذي ولد به.
وفي رواية الواقدي: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا بالنّبوّة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. وفيه قصة. وفي رواية له: قال: لما صاح اليهودي من فوق الأطم: هذا كوكب أحمد قد طلع، وهو لا يطلع إلا بالنّبوّة، قال: وكان أبو قيس من بني عدي بن النجار قد ترهّب ولبس المسوح، فقالوا: يا أبا قيس! انظر ما يقول هذا اليهودي، قال: فانتظاري الّذي صنع بي هذا، فأنا أنتظره حتى أصدقه وأتبعه.
وقال ابن إسحاق: عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، حدثنا محمد بن عمرو بن حزم قال: حدثت عن صفية بنت حيي أنها قالت: كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلّين، قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس فأتيا كالّين كسلانين ساقطين، يمشيان الهوينا، قالت: فمشيت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الهم، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حييّ بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت أبدا.
قال ابن إسحاق: وكان من حديث مخيريق وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد- وكان يوم أحد يوم السبت- قال: يا معشر يهود! والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلّم يصنع فيها ما أراه الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم- فيما بلغني- يقول: مخيريق خير يهود، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة فيها.
وقال يونس بن بكير عن أبي جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال في قوله: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ} 17: 1: ذكر قصة المعراج وما أعطي الأنبياء، فقال له ربّه: قد اتخذتك خليلا فهو في التوراة مكتوب: محمد حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما، وشرحت صدرك، ورفعت ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطا، وأرسلتك رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وأنزلت عليك الفرقان فيه تبيان كل شيء، فقال إبراهيم عليه السلام للأنبياء: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلّم. وقال داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال سموأل اليهودي لتبع- وهو يومئذ أضلهم-: أيها الملك، إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي مولده مكة، واسمه أحمد، وهذه دار هجرته.
وقال عكرمة عن ابن عباس، قال: كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر، يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم عندهم قبل أن يبعث، وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلّم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، هذا الكوكب قد طلع، فلما تنبأ قالوا: قد تنبأ أحمد، كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه.
وقال عاصم بن عمرو بن قتادة عن نملة بن أبي نملة عن أبيه أبي نملة قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في كتبهم، ويعلمون الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلى المدينة، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسدوا، وبغوا، وأنكروا.
وقال عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه قال: سمعت أبي مالك بن سنان يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم- ونحن يومئذ في هدنة من الحرب- فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظلّ خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم، فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي- كالمستهزئ به-: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذا البلد مهاجره، قال: فرجعت إلى قومي بني خدرة. وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كل يهود يثرب تقول هذا. قال أبي مالك بن سنان: فخرجت حتى جئت قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الّذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد، وهذا مهاجره.
قال أبو سعيد: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، أخبره أبي هذا الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لأسلّم كلهم، إنما هم له تبع. وقال عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة قال: لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له يوشع فسمعته يقول: وإني لغلام في إزار قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت، ثم أشار بيده إلى بيت الله، فمن أدركه فليصدقه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسلمنا وهو بين أظهرنا، ولم يسلّم حسدا وبغيا.
وعن عبد الله بن سلام قال: ما تمت سبع حتى صدق بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم أحمد لما كان يهود يثرب يخبرونه، وأن تبع مات مسلما. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلّم، فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا أنه نبّئ، وأنه لا نبي بعده، اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة ونزلها أنكروه وحسدوا وبغوا.
وعن زياد بن لبيد أنه كان على أطم من آطام المدينة فسمع: يا أهل يثرب!- ففزع عنا وفزع الناس-: قد ذهبت والله نبوة بني إسرائيل، هذا نجم طلع بمولد أحمد، وهو نبي آخر الأنبياء، ومهاجره إلى يثرب.
وقال داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن عن الحرث بن خزمة قال: كان يهود المدينة ويهود خيبر ويهود فدك يخبرون بصفة النبي صلى الله عليه وسلّم، وأنه خارج من نحو هذا البيت، وأن مهاجره إلى يثرب واسمه أحمد، وأنه يقتلهم قتل الذّر حتى يدخلهم في دينه، وأنه ينزل عليه كتاب الله كما نزل على موسى التوراة، ويخبرون بصفته، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة أنكروه وحسدوه.
وقال مسلم بن يسار عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد صلى الله عليه وسلّم منه- يعني من بني عامر- كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين، ويخبرونه بصفة رسول الله، وأنّ هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى، فأخبروه بصفة النبي صلى الله عليه وسلّم، وأن مهاجره يثرب.
فرجع أبو عامر وهو يقول: أنا على دين الحنفية، فأقام مترهبا لبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم عليه السلام، وأنه ينتظر خروج النبي، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكة لم يخرج إليه، وأقام على ما كان عليه.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة حسد وبغى ونافق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد! بم بعثت؟ فقال: «بالحنفية، فقال: أنت تخلطها بغيرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: أتيت بها بيضاء، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي؟» فقال: لست بالذي وصفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كذبت» فقال: ما كذبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الكاذب أمانة الله وحيدا طريدا» قال: آمين، ثم رجع إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك ما كان عليه.
وذكر محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري علام كان إسلام ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، نفر من بني هدل، أو هذيل، أتوا بني قريظة، فكانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام، قال: قلت: لا، قال: فإن رجلا من يهود أهل الشام، يقال له: ابن الهيّبان، قدم علينا قبيل الإسلام بسنوات فحل بين أظهرنا قال لي: والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا أقحطنا قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق، فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فيقولون:
كم؟ فيقول: صاع من تمر أو مدان من شعير عن كل إنسان حي، قال: فنخرجها، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي لنا، فو الله ما يبرح مجلسه حتى تمرّ السحاب الشراج سائله ونسقي به، فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث، قال: ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت قال: أيا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس؟ قال: قلنا: إنك أعلم، قال: فأني قدمت هذا البلد أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقنّ إليه يا معاشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعنكم ذلك منه.
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحاصر بني قريظة، قال: هؤلاء الفتية- كانوا شبابا أحداثا-: يا بني قريظة، والله إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم.
وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم، قال: قالوا: فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية- ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب- فكانوا يقولون: إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله من قريش واتّبعناه كفروا به، يقول الله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا به فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكافِرِينَ} 2: 89، إلى قوله: {عَذابٌ مُهِينٌ} 2: 90.
وعن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، قد كنتم تستفتحون علينا بمحمد وإنا أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما هو بالذي كنا نذكر لكم، ما جاءنا بشيء نعرفه! فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {ولما جاءَهُمْ كِتابٌ من عِنْدِ الله مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا من قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا به فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكافِرِينَ} [البقرة: 89].
وقال عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه: كانت يهود بني قريظة وبني النضير من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلّم يستفتحون- يدعون- على الذين كفروا يقولون: اللَّهمّ إنا نستنصرك بحق النبي الأمي ألا تنصرنا عليهم فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا- يريد محمدا صلى الله عليه وسلّم ولم يشكوا فيه- وكانوا يتمنونه ويقولون لجميع العرب: هذا محمد قد أظلنا، هذا أوان مجيئه، والله لنقتلنكم معه قتل عاد وإرم، وكان الناس من لدن اليمن إلى الشام وجميع الدنيا قد عظموا شأن قريظة والنضير لخصال كثيرة: أنهم أهل كتاب وأحبار ورهبان وربانيون، لكثرة الأموال التي كانت لهم، ولأنهم كانوا من ولد هارون عليه السلام، وكان الناس يرغبون إليهم، ويسألونهم عن الدين، وكانوا إذا استنصروا على أحد من العرب استنصروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم، ويذكرونه بالجميل.
عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يهود أهل المدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون عليهم، يستنصرون يدعون عليهم باسم نبي الله فيقولون: اللَّهمّ ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك، وبكتابك الّذي تنزل عليه، وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان، وكانوا يرجون أن يكون منهم، فكانوا إذا قالوا ذلك نصروا على عدوهم.
وعن قتادة قال: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب يقولون: اللَّهمّ ابعث النبي الّذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم، فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلّم كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم، حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول الله.
وعن ابن أبي نجيح عن علي البارقيّ في قوله تعالى: {وَكانُوا من قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} 2: 89، أن اليهود كانوا يقولون: اللَّهمّ ابعث هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس، يستفتحون ويستكثرون على الناس.
وقال قتادة عن كعب الأحبار: كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض بابل، رؤيا بخت نصّر، فإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصّها علينا، قال: قد نسيتها! فأخبروني بتأويلها، قالوا: فإنا لا نقدر حتى تقصها علينا، فغضب وقال: اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، أذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم! وشاع ذلك في الناس، فبلغ دانيال وهو محبوس، فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك؟ فإن عندي تأويل رؤياه، وإني أرجو أن تنال عنده بذلك منزلة، ويكون سبب عافيتي، قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده في هذه الرؤيا علم فأنت هو، قال دانيال: لا تخف عليّ فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن فأخبر بخت نصّر بذلك، فدعا دانيال فأدخل عليه- وكان لا يدخل عليه أحد إلا سجد- فوقف دانيال فلم يسجد، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصّر لدانيال: ما منعك أن تسجد لي؟ قال دانيال: إن لي ربا آتاني هذا العلم الّذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني هذا العلم، ثم أصير في يدك أميا لا ينتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الّذي أنت فيه، فتركت السجود نظرا إلى ذلك، فقال بخت نصّر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، أعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم العهود، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت، قال نعم عندي علمها وتفسيرها، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته، قذفه الله بحجر من السماء فوقع في قبة رابية فدقه حتى طحنه، فاختلط ذهبه وفضته، ونحاسه وحديده وفخاره، حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الّذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السماء والحجر، قال له بخت نصّر: صدقت! هذه الرؤيا التي رأيت، فما تأويلها؟ قال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أوّل الزمان وفي أوسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها وأنت ملكها، وأما الفضة فابنك يملكها من بعدك، وأما النحاس فإنه الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان يملكها من بعدك امرأتان: إحداهما في مشرق اليمن والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الّذي قذف به الصنم فدين يقذف الله به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، فيبعث الله نبيا أميا من العرب فيدوّخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى يملأها، فيمحص الله به الحق ويزهق الباطل، ويهدي به أهل الضلالة، يعلم به الأميين، ويقوي به الضعيف ويعزّ به الأذلاء، وينصر به المستضعفين. قال بخت نصّر: ما أعلم أحدا استعنت منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا أحد له عندي يدا أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك.. وذكر القصة.